فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واللام للتعليل متعلقة بما في تضمينه جواب الشرط المقدرُ من فعل ونحوه تدل عليه جملة {فإنا خلقناكم من تراب} الخ، وهو فعل: فاعلموا، أو فنُعلمكم، أو فانظروا.
وحذف مفعول {لِنُبيّن} لتذهب النفس في تقديره كل مذهب مما يرجع إلى بيان ما في هذه التصرفات من القدرة والحكمة، أي لنبيّن لكم قدرتنا وحكمتنا.
وجملة {ونقرّ} عطف على جملة {فإنا خلقناكم من تراب}.
وعدل عن فعل المضي إلى الفعل المضارع للدلالة على استحضار تلك الحالة لما فيها من مشابهة استقرار الأجساد في الأجداث ثم إخراجها منها بالبعث كما يخرج الطفل من قرارة الرحم، مع تفاوت القرار.
فمن الأجنة ما يبقى ستة أشهر، ومنها ما يزيد على ذلك، وهو الذي أفاده إجمال قوله تعالى: {إلى أجل مسمى}.
والاستدلال في هذا كله بأنه إيجاد بعد العدم وإعدام بعد الوجود لتبيين إمكان البعث بالنظير وبالضد.
والأجل: الأمد المجعول لإتمام عمل ما، والمراد هنا مدة الحمل.
والمسمّى: اسم مفعول من سَماهـ. إذا جعل له اسمًا، ويستعار المسمّى للمعيّن المضبوط تشبيهًا لضبط الأمور غيرِ المشخصة بعدد معيّن أو وقت محسوب، بتسمية الشخص بوجه شبه يُميزه عما شابهه.
ومنه قول الفقهاء: المهر المسمّى، أي المعيّن من نقد معدود أو عَرض موصوف، وقول الموثقين: وسمّى لها من الصداق كذا وكذا.
ولكل مولود مدة معينة عند الله لبقائه في رحم أمه قبلَ وضعه.
والأكثر استكمال تسعة أشهر وتسعة أيام، وقد يكون الوضع أسرع من تلك المدة لعارض، وكلٌّ معين في علم الله تعالى.
وتقدم في قوله تعالى: {إلى أجل مسمى فاكتبوه} في [سورة البقرة: 282].
وعطف جملة {ثم نخرجكم طفلًا} بحرف ثم للدلالة على التراخي الرتبي فإن إخراج الجنين هو المقصود.
وقوله: {طفلًا} حال من ضمير {نخرجكم} أي حال كونكم أطفالًا.
وإنما أفرد {طفلًا} لأن المقصود به الجنس فهو بمنزلة الجمع.
وجملة {ثم لتبلغوا أشدكم} مرتبطة بجملة {ثم نخرجكم طفلًا} ارتباط العلّة بالمعلول، واللام للتعليل.
والمعلّل فعل {نخرجكم طفلًا}.
وإذ قد كانت بين حال الطفل وحال بلوغ الأشد أطوار كثيرة عُلم أن بلوغ الأشد هو العلّة الكاملة لحكمة إخراج الطفل.
وقد أشير إلى ما قبل بلوغ الأشد وما بعده بقوله: {ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر}.
وحرف ثم في قوله: {ثم لتبلغوا أشدكم} تأكيد لمثله في قوله: {ثم نخرجكم طفلًا}.
هذا ما ظهر لي في اتّصال هذه الجملة بما قبلها وللمفسرين توجيهات غير سالمة من التعقب ذكرها الألوسي.
وإنما جُعل بلوغ الأشد علّة لأنه أقوى أطوار الإنسان وأجلى مظاهر مواهبه في الجسم والعقل وهو الجانب الأهم كما أوما إلى ذلك قوله بعد هذا {لكيلا يعلم من بعد علم شيئًا} فجعل الأشد كأنه الغاية المقصودة من تطويره.
والأشُدّ: سن الفتوة واستجماع القوى. وقد تقدم في [سورة يوسف: 22] {ولما بلغ أشده آتيناه حكمًا وعلمًا} ووقع في [سورة المؤمن: 67] {ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخًا} فعطف طور الشيخوخة على طور الأشُد باعتبار أن الشيخوخة مقصد للأحياء لحبهم التعمير، وتلك الآية وردت مورد الامتنان فذكر فيها الطور الذي يتملى المرء فيه بالحياة، ولم يذكر في آية سورة الحج لأنها وردت مورد الاستدلال على الإحياء بعد العدم فلم يذكر فيها من الأطوار إلا ما فيه ازدياد القوة ونماء الحياة دون الشيخوخة القريبة من الاضمحلال، ولأن المخاطبين بها فريق معيّن من المشركين كانوا في طور الأشد، وقد نبهوا عقب ذلك إلى أن منهم نفرًا يُردون إلى أرذل العمر، وهو طور الشيخوخة بقوله: {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر}.
وجيء بقوله: {ومنكم من يتوفى} على وجه الاعتراض استقراء لأحوال الأطوار الدالة على عظيم القدرة والحكمة الإلهية مع التنبيه على تخلل الوجود والعدم أطوار الإنسان بدءًا ونهاية كما يقتضيه مقام الاستدلال على البعث.
والمعنى: ومنكم من يتوفى قبل بلوغ بعض الأطوار.
وأما أصل الوفاة فهي لاحقة لكل إنسان لا لبعضهم، وقد صرح بهذا في سورة المؤمن (67): {ومنكم من يتوفى من قبل} وقوله: {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر} هو عديل قوله تعالى: {ومنكم من يتوفى}.
وسكت عن ذكر الموت بعد أرذل العمر لأنه معلوم بطريقة لحسن الخطاب.
وجُعل انتفاء علم الإنسان عند أرذل العمر علة لردّه إلى أرذل العمر باعتبار أنه علّة غائية لذلك لأنه مما اقتضته حكمة الله في نظام الخلق فكان حصوله مقصودًا عند ردّ الإنسان إلى أرذل العمر، فإن ضعف القوى الجسمية يستتبع ضعف القوى العقلية.
قال تعالى: {ومن نعمره ننكسه في الخلق} [يس: 68] فالخلق يشمل كل ما هو من الخلقة ولا يختص بالجسم.
وقوله: {من بعد علم} أي بعدما كان علمه فيما قبل أرذل العمر.
و مِن الداخلة على بعد هنا مزيدة للتأكيد على رأي الأخفش وابن مالك من عدم انحصار زيادة مِن في خصوص جرّ النكرة بعد نفي وشبهه، أو هي للابتداء عند الجمهور وهو ابتداء صُوري يساوي معنى التأكيد ولذلك لم يؤت بـ من في قوله تعالى: {لكي لا يعلم بعد علم شيئًا} في [سورة النحل: 70].
والآيتان بمعنى واحد فذكر مِن هنا تفنّن في سياق العبرتين.
و{شيئًا} واقع في سياق النفي يعم كل معلوم، أي لا يستفيد معلوما جديدًا.
ولذلك مراتب في ضعف العقل بحسب توغله في أرذل العمر تبلغ إلى مرتبة انعدام قبوله لعلم جديد، وقبلها مراتب من الضعف متفاوتة كمرتبة نسيان الأشياء ومرتبة الاختلاط بين المعلومات وغير ذلك.
{وَتَرَى الأرض هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الماء اهتزت وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}.
عطف على جملة {فإنا خلقناكم من تراب}، والخطاب لغير معيّن فيعم كل من يسمع هذا الكلام.
وهذا ارتقاء في الاستدلال على الإحياء بعد الموت بقياس التمثيل لأنه استدلال بحالةٍ مشاهدَة فلذلك افتتح بفعل الرؤية، بخلاف الاستدلال بخلق الإنسان فإن مبدأه غيرُ مشاهَد فقيل في شأنه {فإنا خلقناكم من تراب} الآية.
ومحل الاستدلال من قوله تعالى: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت}، فهو مناسبُ قوله في الاستدلال الأول {فإنا خلقناكم من تراب}، فهمود الأرض بمنزلة موت الإنسان واهتزازُها وإنباتها بعد ذلك يماثل الإحياء بعد الموت.
والهمود: قريب من الخمود، فهمود الأرض جَفافها وزوال نبتها، وهمود النار خمودها.
والاهتزاز: التحرك إلى أعلى، فاهتزاز الأرض تمثيل لحال ارتفاع ترابها بالماء وحال ارتفاع وجهها بما عليه من العشب بحال الذي يهتز ويتحرك إلى أعلى.
وربت: حصل لها رُبوّ بضمّ الراء وضم الموحدة وهو ازدياد الشيء يقال: رَبَا يربو رُبوا، وفسر هنا بانتفاخ الأرض من تفتق النبت والشجر.
وقرأ أبو جعفر {وربأت} بهمزة مفتوحة بعد الموحدة، أي ارتفعت.
ومنه قولهم: رَبَأ بنفسه عن كذا، أي ارتفع مجازًا، وهو فعل مشتق من اسم الربيئة وهو الذي يعلو رُبوة من الأرض لينظر هل من عدوّ يسير إليهم.
والزوج: الصنف من الأشياء.
أطلق عليه اسم الزوج تشبيهًا له بالزوج من الحيوان وهو صنف الذكر وصنف الأنثى، لأن كل فرد من أحد الصنفين يقترن بالفرد من الصنف الآخر فيصير زوجًا فيسمى كلّ واحد منهما زوجًا بهذا المعنى، ثم شاع إطلاقه على أحد الصنفين، ثم أطلق على كلّ نوع وصنف وإن لم يكن ذكرًا ولا أنثى، فأطلق هنا على أنواع النبات.
والبهيج: الحسن المنظر السَارّ للناظر، وقد سِيق هذا الوصف إدماجًا للامتنان في أثناء الاستدلال امتنانًا بجمال صورة الأرض المنبتة، لأن كونه بهيجًا لا دخل له في الاستدلال، فهو امتنان محض كقوله تعالى: {ولكم فيها جمال حين ترىحون وحين تسرحون} [النحل: 6] وقوله تعالى: {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح} [الملك: 5]. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} (5) هذه الآية الكريمة والآيات التي بعدها، تدل على أن جدال الكفار المذكور في قوله: {وَمِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ} [لقمان: 20] يدخل فيه جدالهم في إنكار البعث، زاعمين أنه جل وعلا يقدر أن يحي العظام الرميم، سبحانه وتعالى عما يقولون علوًّا كبيرًا، كما قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قال مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78] وكقوله تعالى عنهم {وما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} [الأنعام: 29] {وما نَحْنُ بِمُنشَرِينَ} [الدخان: 35] ونحو ذلك من الآيات كما قدمنا الإشارة إليه قريبًا.
ولأجل ذلك أقام تعالى البراهين العظيمة على بعث الناس من قبورهم أحياء إلى عرصات القيَامة للحساب، والجزاء فقال جل وعلا {يا أيها الناس إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ البعث فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ} فمن أوجدكم الإيجاد الأول، وخلقكم من التراب لا شك أنه قادر على إيجادكم، وخلقكم مرة ثانية، بعد أن بليت عظامكم، واختلطت بالتراب، لأن الإعادة لا يمكن أن تكون أصعب من ابتداء الفعل، وهذا البرهان القاطع على القدرة على البعث: الذي هو خلقه تعالى للخلائق المرة الأولى المذكورة هنا، جاء موضحًا في آيات كثيرة كقوله: {وَهُوَ الذي يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] الآية وقوله: {قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 79] وقوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] وقوله: {فَسَيقولونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الذي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء: 51] وقوله تعالى: {أَفَعَيِينَا بالخلق الأول بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق: 15] وقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النشأة الأولى فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ} [الواقعة: 62] وقوله: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يمنى} [القيامة: 37] إلى قوله: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الموتى} [القيامة: 40] والآيات بمثل ذلك كثيرة جدًّا، وقد أوضحنا ذلك في مواضع متعددة من هذا الكتاب بين جل وعلا أن من أنكر البعث فهو ناس للإيجاد الأول كقوله: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس: 78] الآية، إذ لو تذكر الإيجاد الأول، على الحقيقة، لما أمكنه إنكار الإيجاد الثاني، وكقوله: {وَيقول الإنسان أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا أَوَلاَ يَذْكُرُ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} [مريم: 66- 67] إذ لو تذكر ذلك تذكرًا حقيقيًّا لما أنكر الخلق الثاني، وقوله في هذه الآية الكريمة {إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ البعث} أي في شك من أن الله يبعث الأموات، فالريب في القرآن يراد به الشك، وقوله تعالى: في هذه الآية الكرمية {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ} قد قدمنا في سورة طه: أن التحقيق في معنى خلقه للناس من تراب، أنه خلق أباهم آدم منها، ثم خلق منه زوجه، ثم خلقهم منهما عن طريق التناسل، كما قال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} [آل عمران: 59] الآية، فلما كان أصلهم الأول من تراب، أطلق عليهم أنه خلقهم من تراب. لأن الفروع تبع للأصل.
وقد بينا في طه أيضًا أن قول من زعم أن معنى خلقه إياهم من تراب: أنه خلقهم من النطف، والنطف من الأغذية، والأغذية راجعة إلى التراب غير صحيح، وقد بينا هناك الآيات الدالة على بطلان هذا القول.
وقد ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أطوار خلق الإنسان، فبين أن ابتداء خلقه من تراب كما أوضحنا آنفًا، فالتراب هو الطول الأول.
والطور الثاني هو النطفة، والنطفة في اللغة: الماء القليل، ومنه قول الشاعر وهو رجل من بني كلاب:
وما عليكِ إذا أخبرتني دنفا ** وغاب بعْلكِ يوما أن تَعودِيني

وتجعلي نطفةً في العقْب باردةً ** وتغمسي فاكِ فيها ثم تسقيني

فقوله: وتجعلي نطفة: أي ماء قليلًا في القعب، والمراد بالنطفة في هذه الآية الكريمة: نطفة المني، وقد قدمنا في سورة النحل: أن النطفة مختلطة من ماء الرجل، وماء المرأة، خلافًا لمن زعم: أنها من ماء الرجل وحده.
الطور الثالث: العلقة: وهي القطعة من العلق، وهو الدم الجامد فقوله: {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} أَي قطعة دم جامدة، ومن إطلاق العلق على الدم المكذور قول زهير:
إليك أعملتها فتلا مرافقها ** شهرين يجْهُض من أرحامها العَلَق

الطور الرابع: المضغة: وهي القطعة الصغيرة من اللحم، على قدر ما يمضغه الآكل، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله» الحديث.
وقوله تعالى: في هذه الآية الكريمة {مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} صفة للنطفة وأن المخلقة: هي ما كان خلقًا سويًّا، وغير المخلقة: هي ما دفعته الأرماح من النطف، وألقته قبل أن يكون خلقًا، وممن روي عنه هذا القول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه نقله عنه ابن جرير وغيره، ولا يخفى بعد هذا القول، لأن المخلقة وغير المخلقة من صفة المضغة، كما هو ظاهر.
ومنها: أن معنى مخلقة: تامة، وغير مخلقة: أي غير تامة، والمراد بهذا القول عند قائله: أن الله جل وعلا يخلق المضغ متفاوتة، منها: ما هو كامل الخلقة، سالم من العيوب، ومنها: ما هو على عكس ذلك، فيتبع ذلك التفاوت تفاوت الناس، في خلقهم، وصورهم، وطولهم. وقصرهم، وتمامهم، ونقصانهم.
وممن روي عنه هذا القول: قتادة كما نقله عنه ابن جرير وغيره، وعزاه الرازي لقتادة والضحاك. ومنها: أن معنى مخلقة مصورة إنسانًا، وغير مخلقة: أي غير مصورة إنسانًا كالسقط الذي هو مضغة، ولم يجعل له تخطيط وتشكيل، وممن نقل عنه هذا القول، مجاهد، والشعبي، وأبو العالية كما نقله عنهم ابن جرير الطبري. ومنها: أن المخلقة: هي ما ولد حيًّا، وغير المخلقة: هي ما كان من سقط.
وممن روي عنه هذا القول: ابن عباس رضي الله عنهما. وقال صاحب الدر المنثور: إنه أخرجه عنه ابن أبي حاتم وصححه ونقله عنه القرطبي وأنشد لذلك قول الشاعر:
أفي غير المخلَّقة البكاءُ ** فأيْن الحزمُ وَيْحك والحَياءُ

وقال أبو جعفر بن جرير رحمه الله تعالى: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: المخلقة: المصورة خلقًا تامًّا. وغير المخلقة: السقط قبل تمام خلقه، لأن المخلقة، وغير المخلقة من نعت المضغة، والنطفة بعد مصيرها مضغة لم يبق لها حتى تصير خلقًا سويًّا إلا التصوير. وذلك هو المراد بقوله: {مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} خلقًا سويًّا، وغير مخلقة: بأن تلقيه الأم مضغة ولا تصوير، ولا ينفخ الروح. انتهى منه.
وهذا القول الذي اختاره ابن جرير: اختاره أيضًا غير واحد من أهل العلم.